الثقافة والشخصية وعلاقتهما
ببعضهما البعض.
الثقافة:
إن الإنسان وحده هو الذي يملك
الثقافة، فله تاريخ مميز عن الماضي، وله قيم مميزة عن الحاجات، وله شعور مميز عن
العقل. والإنسان وحده هو القادر علي أن يقيم عالماً مختلفاً نوعاً عن عالم أجداده.
فالثقافة إذن تقدم مفتاح الفهم والإداراك لحق الإنسان الشرعي في سيادة الكون كما
تساعد في بناء شخصية الإنسان وتأثر فيه.
تعد الثقافة عملا مهما في تصنيف المجتمعات والامم، وتمييز بعضها من
بعض، وذلك بالنظر لما تحمله مضمونات الثقافة من خصائص ودلالات ذات ابعاد فردية واجتماعية، وايضا
انسانية. ولذلك، تعددت تعريفات الثقافة ومفهوماتها، وظهرت عشرات التعريفات,
منها ما اخذ بالجوانب المعنوية/ الفكرية، او بالجوانب الموضوعية/ المادية، او
بكليهما معا، باعتبار الثقافة * في اطارها العام * تمثل سيرورة
المجتمع الانساني، وابداعاته الفكرية والعلمية. وعرفها عالم الاجتماع الحديث/
روبرت بيرستيد/ بقوله:«ان الثقافة هي ذلك الكل المركب الذي يتألف من كل ما نفكر فيه، او
نقوم بعمله او نمتلكه، كاعضاء في مجتمع».
وضمن هذا
المفهوم، جيمس سبرادلي ان ثقافة المجتمع، تتكون من كل ما يجب على الفرد ان يعرفه
او يعتقده، بحيث يعمل بطريقة يقبلها اعضاء المجتمع.. ان الثقافة ليست
ظاهرة مادية فحسب، اي انها لا تتكون من الاشياء او الناس، او السلوك او
الانفعالات، وانما هي تنظيم لهذه الاشياء في شخصية الانسان، فهي ما يوجد في عقول
الناس من اشكال لهذه الاشياء.
وهذا يعني ان الثقافة تهدي الانسان الى القيم، حيث يمارس
الاختيار ويعبر عن نفسه بالطريقة التي يرغبها، وبالتالي يتعرف الى ذاته، ويعيد
النظر في انجازاته وسلوكاته. وعلى الرغم من ذلك، فان اية ثقافة لا تؤلف نظاما
مغلقا، او قوالب جامدة يجب ان يتطابق معها سلوك اعضاء المجتمع جميعهم. فالثقافة لا
توجد الا بوجود المجتمع، والمجتمع من جهته، لا يقوم ويبقى الا بالثقافة، لان الثقافة طريق
متميز لحياة الجماعة ونمط متكامل لحياة افرادها، وهي التي تمد هذه الجماعة
بالادوات اللازمة لاطراد الحياة فيها، وان كانت ثمة آثار في ذلك لبعض العوامل
البيولوجية والجغرافية.
الشخصية:
ان شخصية
الفرد تنمو وتتطور، من جوانبها المختلفة، داخل الاطار الثقافي الذي تنشأ فيه وتعيش
و تتفاعل معه حتى تتكامل وتكتسب الانماط الفكرية والسلوكية التي تسهل تكيف الفرد،
وعلاقاته بمحيطه العام. و ليس ثمة شك في ان الثقافة مسؤولة عن الجزء الاكبر من
محتوى اية شخصية، وكذلك عن جانب مهم من التنظيم السطحي للشخصيات، وذلك عن طريق
تشديدها على اهتمامات او اهداف معينة.
ان عملية
تكوين الشخصية هي عملية تربوية/ تعليمية * تثقيفية، حيث يجري فيها اندماج خبرات
الفرد التي يحصل عليها من البيئة المحيطة، مع صفاته التكوينية، لتشكل معا وحدة
وظيفية متكاملة تكيفت عناصرها، بعضها مع بعض تكيفا متبادلا، وان كانت اكثر فاعلية
في مراحل النمو الاولى من حياة الفرد.
هناك علاقة
اساسية بين الثقافة والشخصية. فلاشك في ان انماط الشخصية المختلفة، تؤثر تأثيرا
عميقا في تفكير عمل المجموعة بكاملها، وعملها. هذا من جهة، ومن جهة اخرى، تترسخ
بعض اشكال السلوك الاجتماعي، في بعض الانماط المحددة من انماط الشخصية، حتى وان لم
يتلاءم الفرد معها الا بصورة نسبية.
واذا كان ثمة فرق ما
بين الشخصية والثقافة، فإن ذلك يعود الى الفرق في الاسس التي تقوم عليها كل منهما.
فالشخصية تعتمد على دماغ الفرد وجهازه العصبي، ودورة حياتها ما هي الا مظهر من
مظاهر دورة حياة الجسم الاتساني. اما الثقافة فتستند الى مجموع ادمغة الافراد
الذين يؤلفون المجتمع. وبينما تتطور هذه الادمغة كل بمفرده وتستقر ثم تموت، تتقدم
دوما ادمغة جديدة لتحل محلها. ومع انه توجد حالات كثيرة من المجتمعات والثقافات
التي طمستها قوى خارجة عنها، الا انه من الصعب ان نتصور ان المجتمع او ثقافته،
يمكن ان يموت بسبب الشيخوخة. وهنا يتجلى تأثير الثقافة القوي والفاعل في تكوين
شخصية الانسان، الفرد اولا، والمجتمع ثانيا.